روابط المواقع القديمة للحزب

إن الصفحات الأممية للحزب الشيوعي اليوناني تنتقل تدريجياً إلى صيغة موقع جديد. بإمكانكم الوصول إلى النسخات السابقة للصفحات المحدثة سلفاً  و محتواها عبر الروابط التاليةَ:

 

التحول الرقمي: أمِن أجل أرباح رأس المال أم لإرضاء الحاجات الشعبية؟

مقال بقلم ماكيس باباذوبولوس*

لم يكُن بقلِّة أولئك الذين تسائلوا بعد المأساة الأخيرة و الجريمة التي وقعت في تِمبي، عن سبب  تأخُّرِ الدولة والحكومات كثيراً و لسنوات عديدة، في تركيب وتشغيل نظام سلامة عصري في السكك الحديدية، و هي التي كانت قد فرضت المزادات الألكترونية بسرعة كبيرة.

و بنحو أكثر عمومية، ليس بقلِّة هم من يشعرون بسخط مبرر، لأنهم يرون الإمكانيات الهائلة التي يصوغها التقدم العلمي والتكنولوجي لنا لكي نعيش بنحو أفضل بكثير مقارنة بوضعنا الحالي. و أولئك الذين يُعلَمون أن بإمكان المصابين بالشلل النصفي المشي اليوم  بفضل الذكاء الاصطناعي، و كذلك بإمكان المكفوفين استعادة بصرهم، وأولئك الذين يقرؤون عن القفزات التكنولوجية الكبيرة التي تضمن قيام تشخيص و عمليات جراحية دقيقة، في ذات الوقت حيث عاشوا و يعيشون تأجيلاً و انتظاراً لأشهر من أجل إجراء العمليات الجراحية المجدولة و الفحوصات اللازمة، تجنباً لانهيار المستشفيات العامة المُفتقرة للكوادر.  هذا و تحاول جميع أحزاب النظام وأبواق الطبقة الحاكمة التستُّرَ على المذنب الكبير الذي يُعيق تسخير هذه الإمكانيات التكنولوجية الهائلة من أجل إرضاء حاجاتنا.

و من أجل التعتيم عن الحقيقة، يعرض هؤلاء بنحو منهجي سرداً مضللاً ذي وجهين.

يعرضون من ناحية، التقدم التكنولوجي السريع باعتباره خطراً موضوعياً، و باعتباره مذنباً تجاه زيادة البطالة و تجاه الحد من حقوقنا.

ومن الناحية أخرى، يقدمون التحول الرقمي باعتباره عصاً سحرية ستفتحُ الطريق للرخاء الاجتماعي و لتحولٍ لنظام الاستغلال اللاإنساني الحالي و دولته، في صالح الشعب. عِبر طريق سهل خالٍ من نضالات طبقية انقلابية وصدامات اجتماعية كبرى.

وعلى وجه الخصوص، اضطلعَ الوزير المختص كيرياكوس بييراكاكيس[1] بالقيام بحملة دعائية ممنهجة لإقناعنا بأن التحول الرقمي يسهم بنحو حاسم في إعادة تخطيط الدولة مع التركيز على حاجات المواطن. و أن هذا التحول الرقمي ليس ذي وصمة طبقية.

 وما الذي يقدمه كدليل على ذلك؟

التحسن البديهي الموجود في إصدار الشهادات والوثائق العدلية ورخص القيادة بسرعة أكبر من قبل الدوائر الحكومية و الحد من طوابير الانتظار الطويلة أمام مراكز خدمة المواطن.

و يقوم بالدعاية لصالح الوجه الرقمي الجديد للدولة من خلال إنشاء بوابة gov.gr التي جمعت سلفاً أكثر من 1500 خدمة رقمية متفرقة، كما و لصالح واقعة تجاوز قيمة المعاملات الرقمية للمواطنين مع الدولة إلى جانب المعاملات الضريبية، اﻟ 1.2 مليار يورو. ويبرز حيازة البلاد أخيراً على استراتيجية رقمية باعتبار ذلك إنجازاً تحقق عبر "كتاب التحول الرقمي 2020-2025". وعلى ذات طول الموجة، تبرز دراسة أعدت باسم رابطة الصناعات اليونانية توفير موارد الدولة بقيمة 270 مليون يورو في عامي 2020-2022، بفضل الخدمات التي تنجز بنحو رقمي، مع تركيزها على تقليل زمن تنقُّل المواطنين.

و على الرغم من ذلك فإن كل سردٍ دعائي يصطدم عاجلاً أم آجلاً بالأرضية القاسية للحياة الفعلية.

حيث لا يُترجم تقليص وقت تنقُّلِ العمال والوقت الذي يستغرقه المواطنون وموظفو القطاع العام لإكمال المعاملات مع الخدمات الحكومية، إلى زيادة في "وقتهم الحر" الخلَّاق. بل يُستغلُّ من قبل رأس المال من أجل تمديد وقت العمل وأشكال العمل المرنة، وفقًا لتوجيه الاتحاد الأوروبي رقم  1152\2019 (و مثال قانون خاتزيذاكيس). و في جوهر الأمر، و من أجل زيادة درجة الاستغلال تريد المجموعات الاقتصادية، إطلاق حرية أيديها في تقليل أو زيادة ساعات العمل وفقاً لحاجاتها. وفي الوقت نفسه،  يتولى المواطن إلزاميا في "أوقات فراغه" إنجاز جزء من العمل الذي كان يقوم به موظف القطاع العام.

هذا و لا تغيِّرُ إمكانية التسجيل الرقمي السريع للأطفال في مراكز الحضانة من وضع نقص تمويلها غير المقبول و في النقص الكبير في المباني و وجبات التغذية، وارتفاع رسوم التسجيل، و في أوجه القصور مقارنة بالحاجات الموجودة.

ولم يترافق إرسال الرسائل النصية من رقم الطوارئ 112 إلى الهواتف المحمولة مع عملية تحديث أولي لخدمات الحماية المدنية. بل تحوَّل إلى ذريعة حزينة لإبداء "عجز انتقائي" متطرِّفٍ من جانب الدولة البرجوازية على التجاوب مع متطلبات الحاجات الشعبية الأساسية. هو عدم كفاءة متطرِّفٍ ذو وصمة طبقية واضحة. وهو الوجه الآخر لكفاءة الدولة في خدمة المصلحة الإستراتيجية لرأس المال. حيث تحولت مساحات كبيرة من الغابات والممتلكات الشعبية مرة أخرى إلى رماد في كُلٍّ من إيفيا و ميتيليني وصولاً حتى تراقيا[2].

إن الحياة نفسها تُثبت أن التقدم التكنولوجي وحده لا يشكل خطراً، ولا حلاً سحرياً لمشاكلنا. إن السؤال هو: من الذي يحدد تطوير وتوجيه واستخدام التكنولوجيا الجديدة والبحث العلمي، و من أجل مصلحة من. حيث تتواجد وراء الذكاء الاصطناعي خيارات الذكاء البشري والمصالح الطبقية التي تخدمها تباعاً.

و لكلِّ من لا يزال يصدق أسطورة الحكومة القائلة أن باستطاعة التحول الرقمي للدولة الرأسمالية، أن يُلغي الحواجز الطبقية و أن يفتح الطريق للرخاء الشعبي، فمن المؤكد أن مثال القطاع الصحي هو كاشفٌ للغاية.

ماذا الذي تقوله الحكومة؟

أن بإمكاننا الآن جميعا و بسهولة حجز موعدنا رقمياً من أجل إجراء الفحوصات الطبية اللازمة بنفس السهولة. حقاً. و هل أصبحنا جميعاً متساوين في الوصول إلى الخدمات الطبية؟ لا نحتاج إلى معرفة خاصة للإجابة على ذلك. بإمكان من يستطيع أن يدفع إجراء فحوصات طبية شاملة بسرعة و راحة.

ما الذي تروج له الحكومة الحالية، حالها حال حكومة سيريزا السابقة؟

إنها تروِّجُ للوصفة الطبية الالكترونية والبطاقة الصحية الرقمية. وفي الواقع، يمكن لهذا التحديث أن يساهم نظريا في الارتقاء بالخدمات الصحية. فهو على سبيل المثال، يُساعدُ الطبيب على الاطلاع بسرعة على تاريخ المريض والتنبؤ بالتأثير السلبي الذي قد يحدثه منح دواء معين لشخص يعاني من أمراض مختلفة.

و مع ذلك، كيف يتم استخدام هذا الإنجاز اليوم من قبل دولة رأس المال؟

يتم استخدام ذلك من أجل احتواء وخفض إنفاق الدولة على الصحة والدواء، لضمان فوائض الميزانية المدماة التي تطالب بها الطبقة الحاكمة والاتحاد الأوروبي.

وبما أن الوزير المسؤول يحب أن يقول "لا يمكنك إدارة ما لا يمكنك إحصائه"، فلنرى ما تُثبته الإحصاءات الرسمية للاتحاد الأوروبي. إنها تُثبتُ أن نسبة كبيرة، 35% من إجمالي الإنفاق الصحي السنوي، يُدفع من قبل الأُسر بنحو مباشر، بعيداً عن الاستنزاف الضريبي، وأن اليونان تحتل المرتبة الأولى في أوروبا من حيث احتياجات الرعاية الطبية غير الملباة وأوقات الانتظار[3].

و بنحو مقابل،  بدلا من استخدام التطبيب عن بعد من أجل ترقية مستوى الخدمات في مناطق بعيدة عن المركز، يتم استخدامه بأيدي الدولة البرجوازية كوسيلة لتعويض النقص الكبير في الإمكانات العلمية الضرورية.

الطابع الطبقي للتحول الرقمي

 يساعد مثال مجال الصحة في فهم ما يلي:

        -            لا يمكن للتحول الرقمي - وليس الغرض منه - تغيير الأهداف والرسالة والطابع الطبقي للدولة التي يتم تطبيقه ضمنها.

        -            تتشابك جميع وظائف الدولة الحالية، دولة دكتاتورية رأس المال، مع المصالح الاستراتيجية للطبقة الحاكمة وتخدمها، وتعزز تنافسية و ربحية المجموعات الاقتصادية المحلية، وتحمي استقرار نظام الاستغلال.

حيث يتم خدمة هذه المهمة المحددة لدولة رأس المال اليوم من خلال التحول الرقمي للإدارة العامة. و على أساس هذه الأهداف المناهضة للشعب، تُحدَّدُ مبادئ تطوير وتقنيات تطبيق الحوكمة الإلكترونية. و ما من وجود لتحول رقمي محايد طبقياً يستفيد منه جميع المواطنين على قدم المساواة.

ولنفكر، ما الأهداف التي يخدمها التحول الرقمي للوظيفة الاقتصادية للدولة البرجوازية؟

إنه يخدم السياسة الاقتصادية التي تأخذ باستمرار من الشعب، وتنهبُ دخل الشعب بكافة الأساليب، لكي تمنح وتدعم ربحية و تنافسية المجموعات الاقتصادية الكبيرة.

و هو يخدم السياسة التي تخلق فوائض مدماة للميزانية من خلال سلخ الأجور والمعاشات التقاعدية، واستنزاف الشعب بالضرائب، وتسطيح حقوق الضمان الاجتماعي.

إنه يخدم السياسة التي تؤدي إلى الزيادة المستمرة في الضرائب المجحفة غير المباشرة التي ندفعها جميعا.

و من ناحية أخرى، فهو يخدم السياسة التي تضمن أن تدفع المجموعات أقل من 5% من إيرادات الضرائب السنوية، و أن تتلقى  رزم الدعم الحكومي لاستثماراتها. حيث تتضمن الخطة الوطنية الجديدة للطاقة والمناخ وحدها، استثمارات يمكن أن تصل إلى 200 مليار يورو.

وبالنسبة للتحول الرقمي نفسه، تم التخطيط لمشاريع بقيمة 11 مليار يورو. وقد تم سلفاً إيكال 220 مشروعاً بقيمة 2.3 مليار  يورو عبر المناقصات وتم تقديم 700 مليون يورو لمشاريع شراكات بين القطاعين العام والخاص.

من هم أولئك الذين لديهم كافة الأسباب للاحتفال بهذه السياسة؟ إنها حفنة من مجموعات الشركات في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد. منها على سبيل المثال المجموعات الأمريكية، مثل Google وAmazon وMicrosoft وCisco، التي تنشئ مراكز بيانات رقمية في بلادنا. و هي التي قامت بطرح 5% من رأس المال استثمارها، و التي يتم تضمينها مباشرة في الشروط التفضيلية المنصوص عليها في القانون 4864/2021 للاستثمارات الاستراتيجية.

و هي التي تلتزم الدولة بتزويدها بالبنية التحتية اللازمة وتحديثها فيما يتعلق بإمدادات المياه، والاتصالات، وبناء الطرق، والصرف الصحي، وما إلى ذلك. وفي الوقت نفسه، بإمكانها الوصول والتحكم في جمع ومعالجة البيانات لجميع المواطنين اليونانيين.

و بطبيعة الحال، تزعم الحكومات أنها تتخذ تدابير فنية لحماية البيانات، وما إلى ذلك. ولكن ليس من الصعب أن نفهم أن دولة رأس المال لا تريد ولا تستطيع ضمان هذه الحماية. حيث يفتح الإطار المؤسسي للاتحاد الأوروبي ذاته، الباب أمام المجموعات لجمع هذه المعلومات ومعالجتها واستغلالها.

وفي معظم الحالات، تتعلق الاستثمارات سيئة السمعة للمجموعات بمشاريع البنية التحتية التي تخصصها الدولة للمجموعات الاقتصادية. وبالطبع لم تبدأ هذه السياسة الآن مع حكومة ميتسوتاكيس الحالية. بل كان تطبيقها مستمراً وثابتاً من قبل جميع حكومات أحزاب:  الباسوك و سيريزا، و الجمهورية الجديدة.

وسوف تستمر في تنفيذها في اليوم التالي، فوق أساس التزاماتها تجاه الاتحاد الأوروبي وصندوق التعافي، و أساس توصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أجل تحقيق فوائض جديدة مدمَّاة،  حتى تتمكن الطبقة الحاكمة من حيازة الدرجة الاستثمارية سيئة السمعة.

ملاحقة رقمية لأي تهرُّبٍ ضريبي؟

 و مع تسليمها بالاتجاه المناهض للشعب للسياسة الاقتصادية والضريبية، تعمل الحكومة على الترويج للكتب الإلكترونية والتسجيل الرقمي لفواتير الأعمال، من خلال منصة myDATA الإلكترونية.

و تقوم بتوحيد جميع الأنظمة الإلكترونية التابعة لمصلحة الضرائب و تُطور منصة Taxisnet مع "موظف الضرائب الرقمي" الذي سيقوم بإرشاد المحاسبين ودافعي الضرائب.

و تقوم بالدعاية لاستخدام الذكاء الاصطناعي للتحقق من موثوقية التصاريح الضريبية. و تشرحُ لنا بأننا سنستفيد جميعا من القضاء على التهرب الضريبي وتقليل عناء الشؤون الضريبية.

و على الرغم من ذلك، ما هو التهرب الضريبي الذي تستهدف الحكومة والدولة الحد منه؟ أهو الذي يعود للمجموعات الاقتصادية الكبيرة؟ لكن هذه الأخيرة تملك سلفاً إعفاءات ضريبية قانونية استفزازية و هائلة. و أمَّنت البنوك احتوائها في نظام الضرائب المؤجلة، وحصل أصحاب السفن على إطار "الضرائب الطوعية". و باستطاعة  المجموعات أن تنقل رؤوس أموالها إلى الخارج وبنحو قانوني إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي و أوروبا. و لربما ستكتشف منصة myDATA عمليات تهريب الوقود والأسلحة والمخدرات؟

إننا جميعا نعرف الجواب على ذلك.

و لكي لا نبقى مع تساؤلاتنا، قدمت لنا السلطة المستقلة لمداخيل الدولة البيانات ذات الصلة. حيث و بفضل الفحص الرقمي الذي يكتشف الانحرافات عن متوسط المداخيل، فقد اكتشفت سلفاً 240 ألفاً من أصل مليون شركة مسجلة رقمياً و عاملين لحسابهم الخاص ممن يقومون بتصريحات ضريبية غير مكتملة ويخفون مداخيلهم.

و يتمثل جزء كبير من هؤلاء في الشركات الصغيرة والعاملين لحسابهم الخاص الذين ينقادون إلى الاختناق الاقتصادي بسبب السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة والمزاحمة غير المنضبطة، وهي الشركات التي يزداد خطر إقفالها في المستقبل. إن رفع مستوى وظيفة الدولة لا يتعلق بدعم هؤلاء بنحو كبير، بل يتعلق باستنزافهم عبر الضرائب.

وتخدم هذه السياسة توجه الاتحاد الأوروبي لزيادة حجم الشركات من خلال عمليات الدمج وتركيز رأس المال. و مواصلة البنوك والدولة في جباية ما في وسعهم من الشركات المثقلة بالديون، من دون التعرض لصدمات كبرى ناجمة عن عمليات إغلاق جماعي مفاجئ للشركات.

 و لربما ستصبح حياة جميع المحاسبين أسهل؟ إن هؤلاء سيتحملون في المرحلة الأولى العبء الكبير لتنفيذ المشروع الأولي، من أجل صياغة myDATA في كل شركة. وبعد ذلك، عندما تغدو المحاسبة أتوماتيكية إلى حد كبير، سوف تشتد المزاحمة حول عدد الموظفين الذين سيبقون في الأنشطة المحددة.

وبالطبع فإن رد الحكومة على الصعوبات والقلق وعدم اليقين بشأن المستقبل هو الرد المعروف: إنها المسؤولية الفردية والاختيار الفردي لكل عامل لحسابه الخاص بشأن مستقبله.

زيادة الاستغلال

إن التحول الرقمي للمجموعات والشركات لا يلغي قوانين الربح وقوانين الاستغلال، والقوانين التي يعمل بموجبها الاقتصاد الرأسمالي.

ولكي تستمر أرباح المجموعات في التزايد، يجب أن تواصل درجة الاستغلال صعودها مع زيادة استنزاف العمال. ينبغي توسيع علاقات العمل المرنة، و أن تكون ساعات العمل لا نهاية لها من خلال عملية "ترتيب وقت العمل".

و مع تواجد التكنولوجيا الجديدة في أيدي رأس المال، يجري تسخيرها من أجل زيادة شدة وعبء العمل على عاتق أولئك الذين يواصلون العمل، و ذلك في ذات وقت ازدياد عديد جيش العاطلين عن العمل.

كما و تتحطم وعود توفير شواغر وظائف عديدة خلاقة جيدة الأجر في عصر التحول الرقمي على أرض الواقع، و على أرضية وظيفة كل مجموعة اقتصادية تجري بغرض الربح. و يتم تأكيد هذا الاستنتاج في كل مكان، أسواء في اليونان أو على المستوى الدولي، في الشركات المتواجدة في قمة التكنولوجيا.

و في اليونان، أعلنت مجموعة OTE هذا العام عن أعلى ربحية مسجلة لها خلال العقد، وتعلن عن استثمارات بقيمة 3 مليارات يورو[4]. و تقوم في الوقت نفسه، بمساعدة من نقابيي أرباب العمل بإلغاء جميع تدرجات الرواتب على أساس التحصيل العلمي مع ربط   الرواتب بنحو مباشر بربحية و إنتاجية وتقييم كل قسم وكل إدارة للمجموعة. وفي جوهر الأمر، فهي تُخفض متوسط  الراتب الفعلي بنحو أبعد.

 إن ذلك بالتأكيد ليست أصالة يونانية. حيث تؤكد دراسات مدى اتساع الفجوة بين نمو الإنتاجية ونمو الرواتب الفعلي، بنسبة 10 إلى 1 في مجموعات الاتصالات في الولايات المتحدة، منذ الثمانينيات وحتى اليوم.

 وقد حققت هذه المجموعات الأمريكية على مدى الأعوام العشرين الماضية نمواً سريعاً في الأرباح يعادل ضعف معدل نمو الاقتصاد، قبل ظهور العلامات السلبية في ربحيتها.

حيث تقوم الشركات الآن على أساس زيادة الإنتاجية، بتخفيض عدد موظفيها والمضي قدماً في عمليات تسريح جماعي. و مؤخراً    قامت شركة Google في كانون الثاني\يناير 2023، بتسريح 12000 موظف وشهدت ارتفاع أسهمها بنسبة 5٪ مرة أخرى[5].  هذا و أجريت عمليات تسريح جماعي لأكثر من 150 ألف عامل في العام الماضي في عمالقة التكنولوجيا كأمازون، ومايكروسوفت، وميتا، الأخيرة التي سرَّحت 13% من موظفيها حيث شهدت انخفاضاً مطرداً في الأرباح خلال الأرباع الأربعة الماضية.

و معروفة جيداً هي الأمثلة اليونانية المقابلة، كمئات عمليات تسريح موظفي شركة BIT، والتي تم تقديمها باعتبارها شركة ناشئة ناجحة. وقد ترافق التغيير الأخير في ملكية تويتر مع طرد آلاف الموظفين ببساطة من خلال إرسال رسالة بريد إلكتروني.

 وبالطبع يتم استغلال التكنولوجيا الجديدة ذاتها من قبل رأس المال لفرض تشديد وتيرة العمل، اعتباراً من كاميرات المراقبة الحديثة و وصولاً إلى الأنظمة التي تعلِمُ ربَّ العمل عن مقدار الوقت الذي يقضيه كل موظف في خدمة الزبون، و عما إذا كان   يعمل بوثيرة شديدة أو يلتهي أمام شاشة حاسوبه.

ليس الهدف من كلمة اليوم هو دراسة جميع الحالات بالتفصيل، بدءاً من تلك الرواتب المدفوعة للقيام بفرز النصوص والصور ومقاطع الفيديو من أجل تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي، و وصولاً حتى "المتعاونين" العاملين لحسابهم الخاص في منصات سيارات الأجرة كتلك التابعة لشركة أوبر.

الحوكمة الألكترونية و المراقبة الرقمية

يساهم التحول الرقمي بنحو حاسم أيضاً في تحقيق ترابط وتشابك جميع وظائف دولة رأس المال، لكي يخدم المصالح الاستراتيجية للطبقة الحاكمة بنحو موحد وأكثر نجاعة.

و يمكننا اكتشاف ذلك بسهولة في جميع توجهات الحوكمة الإلكترونية والوظيفة القمعية والقضائية للدولة البرجوازية.

يهدف السجل الوطني للإجراءات الإدارية "ميتوس" إلى تسجيل جميع علاقات الترابط بين المواطنين والشركات مع الدولة. بمعنى آخر، تقوم الدولة برسم خرائط لنفسها بناءاً على خدماتها الرقمية (كالسجل العقاري).

 وفي الوقت نفسه، يتم إعداد الإصدار الأول من gov.gr باستخدام الذكاء الاصطناعي، والذي سيسمح للمواطنين بالتحدث باللغة التحاورية وطرح الأسئلة على "ميتوس".

مع الربط الرقمي للخدمات الحكومية والسجل الرقمي للمواطنين، أصبحت الإمكانية الآن متاحة لممارسة مراقبة واحدة على جميع بياناتنا، اعتباراً من تاريخنا الطبي حتى وضعنا المالي، وديوننا وسجلنا الجنائي، مع المعالجة و التسخير المتعدد الأوجه لهذه البيانات.

و تتخفَّى هذه اﻹمكانية الكابوسية لديكتاتورية رأس المال خلف التصريحات البريئة عن فوائد الحد من العناء في مكاتب التسجيل، وتحديث القوائم الانتخابية، وما إلى ذلك مما هو جلي. إن تصريحات الحكومة بأن "هواتفنا المحمولة ستتسع للدولة بأكملها" تعادل إمكانية قيام الدولة والمراكز الأخرى بممارسة الضغط والتلاعب الجماعي والفردي بنا، حيث بإمكانهم معالجة جميع بياناتنا، أي  ما هو حجم ديوننا و لمن ندين بها، ما هي التجاوزات التي ارتكبناها، ما هي المشاكل الصحية التي نعاني منها وما إلى ذلك.

إن مجموعة شاملة من توجيهات الاتحاد الأوروبي، تحت عنوان مضلل "حيِّزٌ للحرية والأمن والعدالة"، تضمن المراقبة الرقمية القانونية الدائمة ومعالجة البيانات لجميع المواطنين الأوروبيين. و ذلك عبر سلسلة من التعليمات التي تشمل بصمات الأصابع حتى معطيات السفر. حيث يتم إنشاء قواعد بيانات ضخمة من البيانات الشخصية التي يتم تجميعها وتحديثها بنحو استباقي، ولا تتعلق على وجه التحديد بأفعال إجرامية و منحرفة[6].

 وهي لا تقتصر على مراقبة و سرقة بيانات بعض السياسيين أو المسؤولين الحكوميين. بل تتم بنحو قانوني و ممنهج من خلال التذرُّع العام بالأمن القومي لرأس المال من عدوه الداخلي المتمثل في الشعب، وكذلك من خلال تجريم نشر الأيديولوجيا الجذرية للعنف، تحت عنوان مضلل هو الوقاية من الإرهاب. وفي هذا المجال، يتم الترويج وتمويل عدد من التطبيقات التكنولوجية، على سبيل المثال: المشروع الذي يعود لحكومة سيريزا بتمويل من صندوق الأمن الداخلي الأوروبي، حتى تتمكن الشرطة اليونانية من استخراج البيانات الشخصية ومطابقتها مع المعلومات من Facebook وInstagram ووسائل التواصل الاجتماعي

و على سبيل المثال، من خلال المعالجة الرقمية للبيانات الوصفية المتعلقة بتموضعات اتصالات هاتف جوال، وحركة مستخدمي الهواتف الجوالة، و مواد الكاميرات وغير ذلك الكثير، كان بمقدرة الشرطة، التحقق من الأشخاص الذين شاركوا في التجمعات المحظورة للإحتفال بذكرة انتفاضة البوليتِخنيِّو خلال فترة الوباء.

إن جميع الأحزاب البرجوازية متواطئة مع  تمرير وتنفيذ هذا الإطار المؤسسي الرجعي للاتحاد الأوروبي.  تماماً كما هي متواطئة في التستر على التنصت المستمر والمراقبة على مقر اللجنة المركزية الحزب الشيوعي اليوناني في بِريسوس، منذ عام 2016 حتى اليوم.

وبالطبع فإن عمليات التنصت و المراقبة و معالجة البيانات لا تتم فقط من خلال الأجهزة السرية للدول. بل و أيضاًَ بنحو قانوني وغير قانوني من قبل مجموعات الأعمال. و علاوة على ذلك، فقد تم تشريع المتاجرة ببرامج التجسس.

 وبناء على ذلك، يمكن للسجل الرقمي للموارد البشرية للدولة أن يجمع في ملف رقمي واحد التقييمات والتنقل والمشاركة في الإضرابات والبيانات الشخصية العائدة لجميع موظفي القطاع العام.

 ستكون هناك بطاقة رقمية فردية إلزامية لكل موظف في القطاع العام، تحتوي على ملف الخدمة الكامل الخاص به. و سيتم تشغيل نظام إدارة الموارد البشرية (HRMS) في وزارة الداخلية، وهو الذي سيدمج المعلومات الموجودة في سجل الموارد البشرية الحالي، بشأن التقييم، والتنقل، و برمجة التوظيف.

و هي التي تشكِّلُ في الظروف الحالية سلاحاً مفيداً في أيدي الإدارات لتأديب موظفي القطاع العام من أجل تنفيذ غيور لسياسة الحكومات المتعاقبة.

كما أننا لسنا بصدد خطر مستقبلي غير محدد. حيث يكفي أن نتطلع على تشريع تقييم المعلمين، وأوامر وزير الداخلية بجمع البيانات حول موظفي القطاع العام المُضربين، فضلاً عن التدخل الأخير لدى السلطة القضائية من أجل إعلان عدم قانونية إضرابات العاملين في مؤسسات الإدارة المحلية، حتى في حال عدم لجوء رؤساء البلديات إلى المحاكم.

وفي هذا السياق، يُنصُّ على تقييم المسؤولين من أجل الترويج لأهداف استراتيجية رأس المال، كما ينعكس في سياسة الحكومة المعنية، على غرار نماذج تقييم كوادر الشركات متعددة الجنسيات. و يُمهَّدُ أيضاً ممارسة "الأتمتة الاجتماعية" مع آليات تصنيف الزبائن - المواطنين، كما هو الحال في الفنادق (مثل Tripadvisor)، حيث يقوم المواطن و"الزبون" بتقييم النتيجة دون التحقيق في أسباب التأخير، على سبيل المثال: حول ما إذا توفر عدد الموظفين اللازمين والبنية التحتية اللازمة، وما إلى ذلك.

العدالة البرجوازية

إن الدعم الناجع لرأس المال على حساب الشعب هو أيضاً هدف برامج وخطط العمل الخاصة بالعدالة الإلكترونية في الاتحاد الأوروبي. ولا تتعلق الأولويات بوصول الشرائح الشعبية إلى العدالة بنحو أسهل وأقل تكلفة. ولا بتحسين ظروف عمل الموظفين القضائيين والغالبية العظمى من المحامين العاملين لحسابهم الخاص (على سبيل المثال، من خلال النشر الإلكتروني للقرارات).

ما الأولويات المتعلقة بتطوير المشاريع (مثل بوابة العدالة الإلكترونية الأوروبية) وتطبيق التقنيات مثل شبكة المخطوطات الألكترونية اللامركزية التي تربط الأنظمة الوطنية ذات الصلة؟

 إنه الربط بين السجلات الرقمية الوطنية في المجالات الحيوية للاستثمار و وظيفة السوق المشتركة، على سبيل المثال. بالنسبة للسجلات العقارية أو سجلات الشركات المتعثرة.

وهو أيضاً تسريع تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بربحية رأس المال، كالمزادات الإلكترونية و تحصين الوظيفة القمعية للدولة البرجوازية.

و توجد وصمتها الطبقية أيضاً في استخدام أساليب الذكاء الاصطناعي في تحقيق العدالة. ونحن لا نشير إلى مستقبل غير محدد. ففي الولايات المتحدة، تستخدم المحاكم الجنائية نظام Compas، الذي يبحث احتمال عودة المجرم إلى ارتكاب الجرائم. إننا بصدد خوارزمية تربط إجابات المدعى عليه بالأسئلة وسلسلة من العناصر من سجله الجنائي. هذا و تعتبر منهجية نظام Compas سراً تجارياً ولا يمكن لمحامي المدعى عليه الوصول إليها. هذا و تم سلفاً انتقاد هذا النظام المحدد لأنه يؤدي في الممارسة العملية إلى معاملة سلبية للأميركيين من أصل أفريقي، و هو مجرد مثال واحد من العديد من الأمثلة على كيفية ترجمة الإمكانيات التكنولوجية الجديدة إلى أيدي رأس المال[7].

ومن الأمثلة المقابلة هو استخدام الذكاء الاصطناعي في أعمال الشرطة التنبؤية و تنبؤ المعطيات الانتهاكية، وفي معالجة البيانات الشخصية، وهو ما يدعم ويساعد في إضفاء الشرعية على الاستهداف الاستباقي لأفراد محددين دون ارتكابهم جرماً.

 وسوف نصل إلى نفس الاستنتاجات إذا نظرنا إلى التحول الرقمي في الاقتصاد.

المثال الصارخ للبنوك

 أياً كان قطاع الاقتصاد الذي ندرسه، فإن الوجه اللاإنساني لرأس المال سوف يظهر بسهولة في الظروف المعاصرة. وفي القطاع المصرفي، يتحقق التحول الرقمي بسرعة. ويصل الآن عدد مستخدمي أجهزة المعاملات الآلية والخدمات المصرفية عبر الإنترنت (الخدمات المصرفية الإلكترونية) إلى 4 ملايين مستخدم، في حين يتجاوز عدد أنظمة نقاط البيع النشطة للشركات 700 ألف.

هل أحدث التحول الرقمي أي تغيير في وظيفة البنوك الموجهة نحو الربح الرأسمالي؟ أياً كان الجانب الذي نتفحصه، فسنجد بسهولة ذات الوصمة الطبقية المناهضة للشعب. وسنرى ذلك في الفجوة الكبيرة التي تفصل بين أسعار الفائدة المرتفعة لقروض الأسرة الشعبية، السكنية و الاستهلاكية، مقارنة بأسعار الفائدة على الودائع التي لا تزال قريبة من الصفر، في حين تفجُّرِ  التضخم. وسنكتشفُ ذلك من خلال الدعم المتعدد الذي تقدمه دولة رأس المال مع جميع الحكومات، نحو المجموعات المصرفية. هو دعم يتضمن الإعفاءات الضريبية الاستفزازية من خلال تخفيض نسبة الضريبة على أرباح الشركات وتأجيل الالتزامات الضريبية (الضريبة المؤجلة)، وضمانات الدولة البالغة 55 ملياراً مع حزمتي إيراكليس الأولى والثانية التي ضمنت إعفاءها من الكم الهائل من القروض الحمراء مع الحد الأدنى من الكلفة. ومن خلال صندوق الاستقرار المالي، تحملت الدولة الخسائر التشغيلية للبنوك في الفترة السابقة، وبمجرد ظهور الربحية مرة أخرى، مهَّدت ﻠ "سحب استثمار" النسب التي تملكها في البنك الوطني، و بنكي: بيريوس وألفا.

ماذا كسب الموظفون خلال ذات فترة التحول الرقمي للبنوك؟ سُجِّل انخفاض كبير في عدد موظفي البنوك بنسبة 51% خلال فترة 10 سنوات، من 63,408 في عام 2010 إلى 30,998 في عام 2021. يقابل ذلك، انخفاض كبير في فروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي المتاحة، من 4,005  عام 2010 إلى 1,560عام 2021.

و بسهولة يمكن للمرء أن يلاحظ زيادة وتيرة عمل أولئك الذين بقوا في العمل مع زيادة عدد السكان الذين يجب أن يخدمهم كل موظف مصرفي، ولكن أيضاً مع زيادة الصعوبة التي يواجهها كبار السن، الذين يضطرون إلى إجراء المعاملات الرقمية. وفي الوقت نفسه، زادت درجة الاستغلال وانخفض الدخل الفعلي لموظفي البنوك. تتضمن الاتفاقية الجماعية الجديدة التي وقعتها قيادة  اتحاد العاملين في البنوك وفق توجه "مرونة و قابلية حياة" البنوك زيادات اسمية تراكمية بنسبة 5.5% للسنوات الثلاث حتى عام 2024، أي أنها لا تعوض حتى عن خسائر الدخل الجديدة من القفزة في تضخم أسعار الغذاء.

و أكبر من ذلك كان إثقال كاهل الأسرة الشعبية بأعباء إضافية لمقترضي اﻹسكان، نتيجة الزيادات المستمرة في أسعار فائدة البنك المركزي الأوروبي في السنوات الثلاث 2021-2023، وكذلك من زيادة عمليات المزادات الإلكترونية. و منذ عام 2019، تم نشر ما لا يقل عن 25 ألف حالة بيع بالمزاد سنوياً على المنصة الرقمية، والتي قفزت هذا العام لتصل 52000 حالة.

و على الرغم من زيادة درجة الاستغلال واستنزاف العمال و نهب دخل الشعب في كل فرع من فروع الاقتصاد، تتكشَّفُ عدم قدرة النظام عن مواجهة المشكلة الضخمة لفرط تراكم رأس المال على المدى الطويل.

 الأزمة الجديدة القادمة

لا يمكن للتحول الرقمي أن يلغي حتميات وظائف الاقتصاد الرأسمالي، التي تقود إلى ظهور دوري لأزمة فرط تراكم لرأس المال. بل على العكس من ذلك، فهو يسرع التركز و يُعاظِمُ فرط تراكم رأس المال الذي لا يجد مجالات استثمار بمعدل ربح مُرضٍ. هذا و يتواجد الاقتصاد الألماني الذي يعد محرك منطقة اليورو، سلفاً في مرحلة ركود. حيث يتزايد بنحو أشمل، خطر الركود في منطقة اليورو. و ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو منذ الربع الأخير لِعام 2022. ويتوقع خبراء النظام الأوروبي أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو من 3.5% في عام 2022 إلى 0.9% في عام 2023[8].

وفي كتلة مجموعة السبع، يتواجد اقتصادا إيطاليا وكندا أيضا على طريق الركود، بينما و في المقابل يتواجد اقتصاد الصين في مرحلة تباطؤ، مع احتمال جدي لوقوع أزمة في قطاع التجارة العقارية و قطاع البناء بنحو أشمل.  و بالإضافة إلى سوق العقارات الإشكالية، يتمظهرُ سلفاً انخفاض في الاستهلاك و تراجعٌ للصادرات الصينية.

هذا  و تصدر معظم تقارير المنظمات الدولية ووكالات التصنيف[9] إشارة خطر لحدوث تباطؤ خطير في الاقتصاد الدولي عام 2023، مع التركيز على الأثر السلبي للرفع المتسارع لأسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، في حين عدم تراجع الضغوط التضخمية بعد. وعلى المستوى الدولي، يتواجد سلفاً، معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتجارة الدولية في السلع والخدمات على مسار التباطؤ.

إن التطورات الأخيرة في البنوك الأمريكية تؤكِّد مرة أخرى أن الأزمة تُولدُ من الوظيفة الطبيعية للنظام الرأسمالي. و أنها متواجدة  في حمضه النووي. و ذلك قبل زمن طويل من مباشرة بنوك مثل SVB  في سحب ودائعها من شركات التكنولوجيا الفائقة، حيث كانت هوامش أرباحها في انخفاض. وكانت أسهم هذه الشركات آخذة في السقوط عام 2022. حيث تعاظمَ أيضاً في الولايات المتحدة فرطُ تراكم رأس المال الذي لا يمكن استثماره بمعدل ربح مُرض. حيث قامت مجموعات مثل أمازون وميتا و غوغل بتسريح آلاف العمال.

 وفي مجال التكنولوجيا الفائقة، يتغير و بدرجة أكبر تناسب الوسائط العصرية والتكنولوجيا الفائقة مع قوة العمل، و يؤثِّرُ هذا   في زيادة التركيب العضوي لرأس المال وانخفاض معدل الربح في نهاية المطاف. كما و كانت هناك أسباب ظرفية لذلك، كتراجع الطلب على شركات مثل أمازون ونتفليكس، بعد انتهاء الإجراءات التقييدية بسبب الوباء.

و كان لانتشار العمل عن بعد الذي بدأ خلال الوباء تأثير سلبي كبير على قطاع تأجير العقارات التجارية ومن ثم على قطاع البناء. حيث تشهد أكبر شركات استغلال عقارات المكاتب، مثل WeWork، انخفاضاً حاداً في أسهمها. وفي مجال العقارات التجارية، كان للعديد من البنوك الأمريكية "انفتاحات كبيرة".

واستخدمت الأركان البرجوازية كل أسلحتها لتجنب ظهور أزمة عميقة.

و ضمنت البنوك المركزية الإقراض الرخيص للدول و"المزيد من الأموال" من أجل منح حزم كبيرة من مساعدات الدولة. وكانت النتيجة تفجر التضخم، الذي غذته حرب الطاقة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد روسيا.

و من أجل مواجهة التضخم، قامت البنوك المركزية بعد ذلك برفع أسعار الفائدة والاستمرار في رفعها. و مع ذلك، فإن كل دواء لأعراض معينة يغدو سما لأعراض أخرى.

إن ارتفاع أسعار الفائدة، والاقتراض الباهظ الثمن، يعززان التباطؤ والركود في النمو الرأسمالي.

واجهت بعض البنوك في الولايات المتحدة خطر سحب الودائع. ولتعويض الخسائر، باعت السندات الحكومية التي حصلت عليها قبل ارتفاع أسعار الفائدة. و كانت النتيجة بيع السندات بخسارة. وكان البيع الهائل لسندات الخزانة الأمريكية من جانب الصين واليابان سبباً في انخفاض قيمتها إلى مستويات أدنى.

و تصرح الآن الدولة الأمريكية تعلن أنها تضمن كل الودائع. ولكنها دولة مثقلة بالديون، وقد تجاوزت سلفاً "الخط الأحمر" للحد الأقصى الدائم لديون الدولة. هذا وتجاوز الدين العام الأمريكي 31.5 تريليون دولار و نسبة 120% من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن أشعل الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول ضرورة خفض الإنفاق الحكومي، وهو ما أسفر عن توافق مؤقت[10]. و تشير الأبحاث التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن العشرات من البنوك الأمريكية متواجدة في وضع إشكالي[11].  حيث يُقدَّرُ أن الأضرار الناجمة عن البيع الجماعي الفوري للسندات الأمريكية يتجاوز 620 مليار دولار.

إن الأمر اﻷكثر أساسية هو أن أي تدابير، و أي دعم من قبل الدولة، لا تستطيع مواجهة السبب الذي يلد فرط تراكم رأس المال. حيث ما من غياب لرؤوس اﻷموال، بل هناك فائض منها في الأسواق. و لا تستطيع التدابير التي تتخذها الدولة وتركيز حصص أكبر من السوق في أيدي أقوى المجموعات المصرفية سوى تأجيل وقوع الأزمة بنحو مؤقت. إن الأزمة القادمة ستكون أعمق.

مجال جديد لاحتدام التناقضات بين المراكز الإمبريالية

إن السباق الجاري لضمان التفوق في المجال التكنولوجي، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن أيضاً في تسخير التحول الرقمي للاقتصاد الرأسمالي والدولة، يُشكِّلُ اليوم أحد المجالات الرئيسية لتفاقم التناقضات الإمبريالية البينية.

 وكما يجري في الاقتصاد إجمالاً، يسيطر على مجال التكنولوجيا قطبان قويان يتصارعان على الصدارة: الولايات المتحدة والصين. يتفوق البطلان على باقي القوى في إمكانيات جمع ومعالجة البيانات الضخمة والتعلم العميق. حيث تمتلك الولايات المتحدة القوة الخماسية لـ GAFAMI (Google، وAmazon، وFacebook، وApple، وMicrosoft) و في المقابل تملك الصين خماسية: BHATX (Baibu، وHuawei، وAlibaba، وTencent، وXiaomi).

وتعمل الولايات المتحدة - التي تحتل اليوم موقع الصدارة في المجال التكنولوجي - على الترويج لاستراتيجية تتلخص أهدافها الرئيسية في الحد من زخم الصين من ناحية، وزيادة الفارق في القوة مع الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى[12].

و لهذا السبب فهي تفرضُ قيودا على تصدير رقائق التكنولوجيا المتقدمة (السرعة الأعلى وكفاءة في استخدام الطاقة)، المستخدمة في أجهزة كمبيوتر الذكاء الاصطناعي في الصين، و بنحو أكثر عموما على تصدير تكنولوجيا الأجهزة والبرمجيات. و تضغط الولايات المتحدة مع ضمانها التعاون النسبي من جانب الاتحاد الأوروبي واليابان في هذا الاتجاه. و بالتوازي، اتهمت الشركات الأمريكية والتايوانية نظيراتها الصينية بالتجسس الصناعي (كاالدعاوى القضائية التي رفعتها TSMC ضد شركة SMIC الصينية).

و في الوقت نفسه، تتضرر الشركات الأمريكية والهولندية القوية  مالياً من القيود و تحاول التحايل عليها من خلال تصدير منتجات تكنولوجيا جيل متقدِّمٍ (كتصدير شركة SMIC  منتجات الطباعة الحجرية DUV بدلاً من منتجات الطباعة الحجرية فوق البنفسجية EUV، وكذلك تعمل Nividia التي تصدر حالياً رقائق بمواصفات أدنى نحو السوق الصينية).

وفي الوقت نفسه، تدعم الدولة الأمريكية بسخاء الاحتكارات المحلية في هذا المجال. حيث ضمن قانون الرقائق والعلوم (الذي أقره الديمقراطيون وجزء من الجمهوريين) مساعدات بقيمة 52 مليار دولار لتعزيز حصة الولايات المتحدة المنخفضة في تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة، و200 مليار دولار أخرى على مدى عقد من الزمن لإعطاء زخم للبحث العلمي ذي الصلة. و بالتوازي مع ذلك، تعمل أيضاً حزمة بايدن للتحول الأخضر، البالغة 360 مليار دولار، والتي تقدم شروط دعم تفضيلية أيضاً نحو أية مجموعات أوروبية تستقر في الولايات المتحدة. و على هذا النحو، و من باب المثال دخلت شركة آبل التي كانت لديها وحدات إنتاج في الصين في مدار الانسحاب منها.

 و على الرغم من ذلك،  وفقاً لبلومبرغ، فإن الشركات الأمريكية فاقدة للميزات، فهي أكثر تكلفة بنسبة 50٪ وتستهلك وقتاً أطول بنسبة 25٪ في إنتاج سلع مماثلة مقارنة بالمصانع المتواجدة في جنوب شرق آسيا.

و كان الاتحاد الأوروبي قد اصطفَّ في البداية إلى جانب الولايات المتحدة بشأن فرض قيود على التصدير إلى الصين و تعرَّض إلى اضطرابات داخلية. على وجه الخصوص في ألمانيا، حيث تم بناء جزء كبير من شبكات 5G الألمانية بواسطة شركتي هواوي وZET الصينيتين، ولدى مرسيدس عقود تعاون كبيرة مع شركة CATL الصينية.

و صاغ الاتحاد الأوروبي برنامجه الخاص لدعم المجموعات الأوروبية، و قانون الرقائق الأوروبي، بهدف مضاعفة حصته المنخفضة في السوق العالمية بحلول عام 2030، لكي تصل من 10% إلى 20%. لكن معظم المحللين يقدرون أن مبلغ 43 مليار يورو لا يكفي لتغطية الهوة الكبيرة التي تفصله الآن عن الولايات المتحدة.

و في الوقت نفسه، وفي إطار محاولته تعزيز استقلاليته، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات لاستضافة 6 حواسيب كمومية قوية على الأراضي الأوروبية في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وجمهورية التشيك وإسبانيا وبولندا. إننا بصدد بنية تحتية تزيد بشكل كبير من قوة الحوسبة لدعم التطبيقات في الصناعة والبحث العلمي.

و أعلنت الحكومة اليابانية عن ضوابط وقيود خاصة على تصدير 23 نوعا من المعالِجات الدقيقة إلى الصين. حيث تمتلك اليابان بعض أكبر مجموعات تصنيع المعالِجات، مثل Nicon وTokyo Electron.

هذا و كان البنك الدولي قد حذَّرَ في نيسان\أبريل 2023 من أن اتجاه "الإنفصال التكنولوجي" بين أكبر اقتصادين في العالم يقوض الابتكار وتوفير المعرفة العلمية على المستوى الدولي ويُضر بالنمو الرأسمالي الدولي.

 ومن جانبها، وضعت الصين لنفسها هدف تبوء مرتبة القوة الرقمية الأولى في العالم بحلول عام 2030. وفي هذا الاتجاه، تزيدُ الدعم الحكومي لصناعة المعالِجات الدقيقة الصينية. حيث تلقت شركة YMTC وحدها 7 مليارات دولار في عام 2023 كدعمٍ لتحديث المعدات والإنتاج، في حين يتجاوز الاستثمار الصيني (مع التركيز على التكنولوجيا الفائقة) عام 2023، 32 مليار دولار في 147 بلدٍ مدرج في "طريق الحرير" الجديد.

وفي الوقت نفسه، تضع الصين قيوداً على تصدير المعادن ذات الأهمية الاستراتيجية للتحول الرقمي و"التحول الأخضر"، مثل الجرمانيوم (الألياف الضوئية)، و الغاليوم (الدوائر المتكاملة - الاتصالات عبر الأقمار الصناعية)، والليثيوم، والكوبالت وغيرها. و تمتلك الصين حاليا تفوقاً كبيراً في تلبية الطلب الدولي لهذه المعادن، و خاصة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا السبب، يشتدُّ الصراع من أجل السيطرة على مناطق أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية و ما يقابلها من ثروات باطنية. و في إطار ردود الاقتصاص من التدابير الأمريكية، أطلقت الدولة الصينية تحقيقًا مع شركة Micron Technology الأمريكية الرائدة بشأن أمن سلسلة توريد البنية التحتية للمعلومات في الصين، أمر كان ذي تأثير سلبي سلفاً على ربحية الشركة. هذا و تعبِّرُ - بين غيرها - شركة Nvidia[13] الأمريكية علناً عن انزعاجها من توسيع العقوبات الأمريكية.

عن "المعجزة التكنولوجية" لحكومة حزب الجمهورية الجديدة

 تُبرزُ الحكومة بدعم من الدعاية الأمريكية أيضاً أدائها في مجال التحول الرقمي، باعتباره أمراً تحسد عليه من بقية دول الاتحاد الأوروبي.

 إن الحقيقة هي أن اليونان واصلت في عام 2022  احتلال المرتبة اﻠ25 في الاتحاد الأوروبي وفق مؤشر الاقتصاد والمجتمع الرقمي الرئيسي (DESI)، بدرجة 38.9 مقابل متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 52.3، وهي تتقدم فقط على دولتين أخريين من منطقة البلقان هما رومانيا وبلغاريا. و مع ذلك، كانت قد حسنت مرتبتها بنحو طفيف في قطاع البنية التحتية للاتصالات (احتلت المرتبة 22 بين 27).

و على وجه الخصوص  بلغت الشركات مستوى 70% من متوسط النضج الرقمي للدول اﻠ27 اﻷعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقد أوكَل 58% منها فقط خطط التحول الرقمي المستقبلية لبعض كوادرها. تصل نسبة الإنتقال الكامل إلى السحابة هامش اﻠ10%، في حين لا تتجاوز نسبة استخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار اﻠ3%، أي أنها تتعلق بمجموعات احتكارية معينة. و باختصار، لم يكن هناك من أية ترقية للطبقة البرجوازية المحلية في المزاحمة الدولية.

إن التحول الرقمي يُشدّدُ الضغط على الشركات الصغيرة، التي لا تستطيع مزاحمة مجموعات التجارة الإلكترونية، في مجال مجموعة متنوعة من البضائع ذات العلامات التجارية، والأسعار، و إمكانيات الشحن.

و  أيضاً، وفقاً لبيانات يوروستات، تمتلك اليونان أدنى نسبة من متخصصي تكنولوجيا المعلومات في إجمالي التوظيف، و هو يبلغ بالكاد نسبة 2.5% مقارنة بـ 4.6% للمتوسط الاتحادي اﻷوروبي. في عام 2022. وتقدر دراسة أجرتها رابطة شركات المعلوماتية في اليونان أن الطلب زيادة الطلب على 15000 متخصص في تكنولوجيا المعلومات سنوياً اعتباراً من عام 2030 ( والتي تشمل مستويات مختلفة من التخصص)، أي أن هناك حاجة إلى 150 ألف عالم وفني إضافي في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

حيث يؤثر السوق المحلي الصغير وتخلف البلاد في سياق التنمية غير المتكافئة ضمن الاتحاد الأوروبي، أيضاً على تطوير البنى التحتية. و على سبيل المثال، في "المناطق البيضاء"، أي في الأماكن الجغرافية المتواجدة خارج التغطية التلفزيونية، تظل شبكات الهاتف المحمول والإنترنت العامة معطلة، رغم منحها منذ عام 2018، و ذلك لعدم رغبة أي من "المزودين" في تشغيلها، وفقاً لمعيار ربحه.

تقدم الدولة مرة أخرى الدعم السخي لمجموعات (OTE وGrid Telecom - TERNA) لتنفيذ استثمارات في الألياف الضوئية التي ستضمن اتصالات إنترنت سريعة جداً لـ 800000 شركة وأسرة، من خلال إجراء Gigabit Voucher Scheme.

دعونا نلخص. يتم تسخير التحول الرقمي للاقتصاد والدولة بيد رأس المال من أجل زيادة درجة استغلال العمال والقمع، وتعميم المراقبة الرقمية للشعب، بينما يؤدي إلى ظهور أزمات أعمق وتفاقم أكبر للتناقضات الإمبريالية البينية. و يتماشى مع زيادة التباينات الاجتماعية، والفقر الرقمي و الطاقوي و مع زيادة البطالة المزمنة.

عن عصر الذكاء الاصطناعي

 وتتعزز هذه الاتجاهات، حيث يتطور الذكاء الاصطناعي بشكل سريع انطلاقاً من التحول الرقمي و منذ عام 2010 و ذلك بسبب تقارب ثلاثة إنجازات علمية و تكنولوجية: القدرة على معالجة كميات هائلة من البيانات الناتجة عن استخدام الإنترنت، أي البيانات الضخمة، وإمكانية التعليم الذاتي لأجهزة الكمبيوتر ذات الخوارزميات المتطورة، أي التعلم الآلي (الشبكات العصبية والتعلم العميق)، وإمكانية زيادة قدرة أجهزة الكمبيوتر العملاقة الحديثة وأجهزة الكمبيوتر الكمومية.

و لكي نعبر عن ذلك بكلام بسيط، فإن الآلات الحديثة تكتسب و باضطراد المزيد من القدرات البشرية، كالتعلم الذاتي، حيث يحيى الإنسان العامل - أي القوة الإنتاجية الرئيسية - ويدير المزيد والمزيد من الآلات المعقدة. وفي الوقت نفسه، تتواجد "الآلات التي تتعلم"، والروبوتات، والمراكز الرقمية التي تجمع وتعالج كميات هائلة من البيانات، في أيدي عدد قليل من المجموعات الاحتكارية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ولكن أيضاً في الاتحاد الأوروبي واليابان.

وفي هذا اﻹطار، يلخص الوزير المسؤول استراتيجية رأس المال بالنسبة لليونان على النحو التالي: «إننا مدعوون لبناء الجهاز العصبي للبلاد، حتى تكون قادرة على توحيد سجلاتها المختلفة، و امتلاك حجم كبير من البيانات ليكون من الممكن جوهرياً تحقيق التدريب المقصود للخوارزميات (...) وفي الوقت نفسه، نركز على التعلم الآلي، أي على استراتيجية كيفية التمكُّن من دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي هذه في اقتصادنا[14]». حيث أوضحنا سلفاًعواقب تنفيذ هذا الاتجاه على الشعب.

 ومن المؤكد أنها ليست المرة الأولى التي يكون فيها للثورة التكنولوجية تطبيقات متعددة لا تقتصر على الإنتاج، بل تؤثر على كامل أطياف حياة المجتمع. دعونا نتذكر التغيرات السريعة التي أحدثتها فترة ظهور المحركات البخارية والكهرباء واستخدام الطاقة النووية.

لكن الواقعة هي أن تطور الذكاء الاصطناعي في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية يؤدي إلى تفاقم مشاكل معروفة، كنمو البطالة، و يُبرزُ مسائل أصلية جديدة تتطلب البحث على مستوى الاقتصاد السياسي والفلسفة. حيث يتعلق الموضوع الرئيسي بدراسة التحولات في علاقة القوة الإنتاجية الرئيسية، أي اﻹنسان الاجتماعي العامل، بالآلات الحديثة ووسائل الإنتاج.

و يركز النقاش العلمي على التوسع السريع لقدرات الآلات التي تتعلم على تدريب نفسها لتحل محل قسم كبير من العمل البشري الحالي. و في البداية كان التقييم أن هذا النطاق سيقتصر على استبدال جزء كبير من العمل الروتيني اليدوي و الروحي، وهي المهن التي تتطلب إجراءات روتينية متكررة ومنظمة في بيئة محددة. أ

و كانت التحليلات البرجوازية الأكثر موثوقية قد أكدت قبل بضع سنوات حول هذا الموضوع، أن المهن التي تتطلب إبداعاً فعلياً ورد فعلٍ ضمن بيئة لا يمكن التنبؤ بها، تقع خارج نطاق إمكانيات الذكاء الاصطناعي[15] و على الرغم من ذلك، فقد ثبُتَ أن الشبكات العصبية لـ "الآلات التي تتعلم" قادرة على تطوير مهارات مختلفة، وتحليل الكثير من البيانات. و تكتسب القدرة على تحقيق أهداف معقدة. و لديها الآن القدرة على اكتساب معارف جديدة ومن ثم تطبيقها في مجال معين. حتى أن الذكاء الاصطناعي يتغلغل في مجال الإبداع الفني والرسم والسينما.

 وفي مناقشة جرت مؤخراً في معهد بروكينغز، صيغت أطروحة قائلة: "لم يعد بوسعنا أن نستبعد احتمال أن كل الوظائف التي يقوم بها العمال المهرة اليوم يمكن إنجازها بواسطة الآلات". هذا و كان البروفيسور جيفري هينتون، الذي وضع الأسس لبناء أنظمة الذكاء الاصطناعي، قد استقال مؤخراً من غوغل و دق ناقوس الخطر بشأن العواقب غير القابلة للتصور و التطوير غير المنضبط للأنظمة من قبل مجموعات أعمال قوية. وفي الوقت نفسه، وقع ألف من قادة التكنولوجيا الجديدة على رسالة مفتوحة حول العواقب السلبية التي لا يمكن تصورها. حيث ليس هؤلاء و بالتأكيد "خائفين من التكنولوجيا" ولا "لاوديين".

والحقيقة هي أن العديد من المهن الحالية سوف تختفي، و سيتغير محتوى مهن أخرى. لكن هذا لا يعني إلغاء دور اﻹنسان العامل باعتباره القوة الإنتاجية الرئيسية. و يتقدم فك شيفرة بعض العمليات العصبية التي تحدث في الدماغ البشري ودراسة الوصلات التي لا تعد ولا تحصى بين الخلايا العصبية التي تشكل الأساس البيولوجي للذكاء البشري. لكن تطور الذكاء البشري هي ظاهرة أكثر تعقيداً ولا تقتصرُ على القدرات المعرفية لكل فرد منعزلاً.

إن الدماغ البشري كأداة للتفكير وتكوين الوعي يتطور ويتحسن تاريخياً ضمن عملية العمل الاجتماعي والحياة الاجتماعية بنحو أشمل. و يتحقق العمل الاجتماعي ضمن علاقات الإنتاج السائدة تباعاً، الإقطاعية أو الرأسمالية أو الاشتراكية. وهناك يصوغ الإنسان قدرته على عكس الواقع بنحو عام بالمفاهيم والأحكام والاستدلالات. و يكتسب القدرة على تطوير المعرفة العلمية، والقدرة على طرح الأهداف، و أن يصنع و يحرك وسائل الإنتاج و يُسخِّرها. حيث يستطيع اﻹنسان الاجتماعي وضع الخطط، و رسم الأغراض، و أن يُبرمج و ينفذ اﻷعمال لتحقيقها، و أن يتنبأ بالنتيجة النهائية لأفعاله.  وهو الذي يشكل القوة الإنتاجية الرئيسية في كل أنماط الإنتاج.

إن الذكاء الاصطناعي لا يفكر بشكل شمولي ومعقد مثل البشر. و هو يقوم في الوقت الحاضر بشكل رئيسي بتحويل بعض البيانات إلى بيانات أخرى بسرعة[16].و في جوهراﻷمر، تعد الحواسيب العملاقة أسرع وأكثر كفاءة في أعمال محددة. و لا يمكنها التفكير سياسياً وتحديد أهداف عامة ذات محتوى اجتماعي، على سبيل المثال. تغيير النظام ونمط الإنتاج. يمكنها بسرعة القيام بمعالجة بيانات على أساس بيانات كمية قابلة للقياس وعلى أساس معايير محددة يحددها اﻹنسان الاجتماعي، في سياق علاقات الإنتاج السائدة.

وكما يشير Max Tegmark، فإن الأمر "هو تقريباً الفرق بين مدى قدرة الجرار على أداء مهمة سيارة سباق الفورمولا 1 بنحو جيد و بالعكس". وفي الوقت نفسه، فإن العلاقة التكاملية بين الإنسان و"الآلة الذكية" يمكن أن توفر للإنسان العامل إمكانيات جديدة لرفع مستوى قوته الإنتاجية[17].

دعونا نفكر في الإمكانية التي يحصل عليها الطبيب مع استخدام الخوارزميات التشخيصية والعلاجية و التسخير السريع لكميات كبيرة من البيانات العلمية الحديثة.

دعونا نفكر في استخدام أجهزة الاستشعار لزيادة قدرة حواس الإنسان وإمكانية التفاعل والانسجام المباشر مع "الآلة الذكية" في المستقبل.

كل هذا لا يعني أننا يجب نطمئن، بل على العكس، أن نركز على المشكلة الحقيقية، على علاقات الإنتاج الرأسمالية المهيمنة اليوم. دعونا نفكر، على سبيل المثال، في مدى زيادة إمكانيات المجموعات العاتية التي ذكرناها أعلاه، للتأثير والتلاعب بشكل دائم ومباشر في وعي العمال، في حالة شرعنة إضافة غرسات إلى أدمغتنا.

 الوصمة الطبقية لتطوير الذكاء الاصطناعي

 يقوم الذكاء الاصطناعي اليوم بإنجاز كل ما يريده رأس المال. وهذا ينطبق على الإنتاج والتعليم والثقافة وجميع مجالات الحياة الاجتماعية. إن تسخيره في اتجاه الربح الرأسمالي يمكن أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في البطالة المزمنة والدائمة، وإلى استبعاد جزء كبير من السكان من الإنتاج، و الحكم عليه بالعيش على "الحد الأدنى المضمون من الدخل"، أي بالبقاء بواسطة تعويض للفقر المدقع.

 وتختلف التوقعات والتقديرات باختلاف الأهداف السياسية لمحرريها. حيث يزعم البعض أنه، كما هو الحال مع أي ثورة تكنولوجية، ستُخلق العديد من المهن الجديدة لاستيعاب الخسائر (مثل مطوري برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والمتخصصين في الأمن السيبراني).

وفي عام 2021، توقع المنتدى الاقتصادي العالمي أنه بسبب التحول في تقسيم العمل بين البشر والآلات، ستُخلق بحلول عام 2025، 97 مليون وظيفة جديدة و ستُلغى 85 مليون وظيفة.

ويتوقع تقرير ماكينزي إلغاء 50% من الوظائف الحالية على مستوى العالم بين عامي 2035 و2075، في حين سيضيف الذكاء الاصطناعي الإبداعي ما يصل إلى 4 تريليون دولار أمريكي سنويا إلى الاقتصاد العالمي. وتتحرك العديد من الدراسات ذات الصلة على نفس الطول الموجي، كمثال دراسة برايس ووترهاوس كوبرز.

ويشير كبار المحللين إلى أنه استناداً إلى حجم التشغيل الكبير في الولايات المتحدة، فإن أول مهنة جديدة تخلقها تكنولوجيا الحواسيب تحتل المرتبة الحادية والعشرين. و من الجلي أن زخم الخسائر سيكون أكبر من الزخم المقابل لخلق شواغر وظائف جديدة.

و سوف تتفاقم المشكلة في السنوات المقبلة. وفقًا للاتحاد الدولي للروبوتات (IFR)، فقد تم سلفاً استبدال أكثر من 75% من الوظائف في صناعة الصلب بالروبوتات التقليدية و إجراءات اﻷتمتة في الثلاثين عاماً الماضية. و ذلك قبل ظهور الروبوتات الحديثة القادرة على الاستعاضة عن العاملين في مهام معرفية إبداعية.

لكن هذا التطور ليس طريقا ذو اتجاه واحد. فهو يتعلق بالتأثير الحاسم للرأسمالية على الأولويات في تطوير التكنولوجيا و تنظيم الإنتاج، و في مجال التعليم.

و بنحو مقابل، لا يوجد تطور محايد طبقيا للبحث والعمل العلميين. إن رأس المال يتحكم اليوم في تدفق المعرفة العلمية، و بطرق وأساليب استخدام المعرفة العلمية، والتسلسلات الهرمية والأولويات والنماذج. حيث تُظهر مزاحمة المجموعات وبراءات الاختراع واقع التعمق اﻷبعد لاكتساب البحث العلمي طابعاً اجتماعياً.

 و بنحو أشمل، لا يتم تطوير بعض التطبيقات التكنولوجية المحايدة، بمعزل عن ماهية الطبقة المالكة لمقود السلطة و لمفاتيح الاقتصاد. حيث تقرر المجموعات الاحتكارية العاتية والمراكز الإمبريالية عملياً، ماهية البيانات التي يتم جمعها رقميا، وبأي معايير وإجراءات، وما هي المعلومات المستخلصة ولأي غرض.

 لقد انبهر الكثيرون، وبحق، بتطبيق GPT Chat ، الذي انتشر وذاع صيته في فترة زمنية وجيزة. و الذي يُروَّجُ له باعتباره نموذج لغة حوارية محايد وغير متحيز، قادر على الإجابة مباشرة على استفساراتنا.

 لقد سألناها في نسختها الأصلية عما إذا كان الاتحاد السوفييتي نظاماً ديمقراطياً. فأجابنا أنه لم يكن كذلك، لأنه لم يكن نظاماً متعدد الأحزاب، و لم تكن به انتخابات حرة وتسامح مع الرأي السياسي المعاكس. وأضاف بالطبع أن هناك وجهات نظر ومعايير أيديولوجية مختلفة.

ومن الواضح أن هذا النظام بالذات قد تم "تثقيفه" بمواد مشبعة بالأيديولوجية البرجوازية السائدة. و يستخدمه بعض التلاميذ والطلاب بالفعل كأداة لامتحاناتهم وواجباتهم. وقد أثار بالفعل نقاشاً حيوياً حول حدود استخدامه في المجتمع الأكاديمي وحول العواقب السلبية التي قد يخلفها استخدامه المُفرط في تقليل القدرة النقدية لمستخدمه.

ومع ذلك، فإن التأثير السلبي الرئيسي للنظام الرأسمالي يتعلق بالعقبات التي يضعها أمام تطور القوة الإنتاجية الرئيسية، أي الإنسان العامل. وبدلا من استخدام التقدم التكنولوجي للتنمية الشاملة لشخصية العامل وقدراته العقلية والبدنية، فهو يستخدم من أجل هجمة رأس المال على حقوقه. ويتم استغلالها بطريقة تؤدي، من ناحية، إلى زيادة وتيرة استغلال قوة عمل أولئك الذين يعملون، ومن ناحية أخرى، إلى زيادة جيش البطالة الدائمة والفقر، و إلى إعطاب قوة العمل لدى جزء كبير من السكان. و إلى استنزاف الصحة الجسدية والنفسية للعمال والعاطلين عن العمل الذين يعيشون بنحو متعدد الأوجه في حالة من عدم اليقين وانعدام الأمان تجاه اليوم الآتي. و يزيد من اغتراب العامل عن إخوانه من البشر و من المنافسة الفردية.

و سُجِّلت قفزة في قدرة الأنظمة الميكانيكية على التنسيق مع بعضها البعض ومع العمال وأداء المهام المعقدة. و كما قلنا، في الوقت نفسه يتغير محتوى العديد من المهام واحتياجات إعادة التدريب المستمر. حيث يرتفعُ الطلب على العمل الروحي البشري. و متطلبات إعادة التدريب المستمر و حيازة روح جماعية ضمن العمل و تكيف سريع مع الخبرات الجديدة و مع مهام العمل[18].

عن "سنونوات" الاشتراكية

فكِّروا هنا في الفارق الجذري في كيفية ردِّ الرأسمالية على هذه المشاكل مقارنة بالاشتراكية. في الرأسمالية، يُدعى العامل إلى مواجهة التكيف السريع مع المهام الجديدة والارتقاء بمعارفه، كمسؤولية فردية، مع خوفه في أن يغدو عاطلاً عن العمل وغير مؤمن عليه.

و على العكس من ذلك، يمكن للاشتراكية أن تُحرِّك قدرات العمال الإبداعية، ومبادرتهم، وتحررها، لأنها تضعهم في واجهة مشهد المسار التاريخي نحو التحرر الاجتماعي.

حيث يتغير غرضُ الإنتاج و دورُ العمال. و يُصبح  هدف الإنتاج حينها إرضاء حاجات المجتمع التي تتوسع باستمرار. و يلعب العمال، المتحررون من نير العبودية المأجورة، يومياً دوراً فاعلاً في صنع القرار والرقابة. و تنتقل مفاتيح الاقتصاد ودفة السلطة إلى أيدي الطبقة العاملة. ولا تمثل المزاحمة حينها القوة الدافعة للتقدم، بل قوة العمل الجماعي.

و يتوقف كل من الماء، والطاقة، والصحة، والاتصالات، والنقل، والتعليم، والقوى العاملة عن كونها سلعاً. و تُشكِّلُ الأراضي ووسائل الإنتاج والمصانع والمراكز الرقمية والموانئ والمطارات والبنى التحتية، ملكية اجتماعية للدولة.

 يسألنا الكثيرون بحسن نية "أبِلإمكان تحقيق كل هذا؟".

 لكن ذلك أيها الصديقات و اﻷصدقاء، كان قد تحقق في الاتحاد السوفييتي خلال القرن العشرين. تحقق بفضل التخطيط المركزي العلمي و التملُّك الاجتماعي لوسائل الإنتاج، مع تحقيق إنجازات و مكاسب لن تضمنها الرأسمالية أبدا.

حيث ألغيت البطالة وفقر الطاقة. و امتلك الشعب حرية الوصول إلى خدمات صحية و تعليمية رفيعة المستوى. تم تحقيق خطوات مذهلة في التقدم التكنولوجي، كغزو الفضاء.

و للأمانة، كانت هناك أيضا تجربة سلبية، عندما تم التخلي تدريجيا عن مبادئ البناء الاشتراكي وتقويضها، وسادت سياسة "الاشتراكية مع السوق"، التي مهدت الطريق لقيام الانقلابات.

و مع ذلك، فإن هذه التجربة السلبية تُنيرُ بأسلوبها الخاص على تفوق الاشتراكية. هو تفوق يتزايد في القرن الحادي والعشرين. لأن باستطاعتنا الآن تسخيرُ الإمكانيات العظيمة الجديدة المتولدة من أجل بناء الاشتراكية عن طريق تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الرقمية والروبوتات والذكاء الاصطناعي، والتي هي عبارة عن "سنونوات الاشتراكية".

و ذلك الآن حيث لم يعد هناك من وجود لسلسلة من القيود التقنية والعلمية التي حدت من إمكانيات التخطيط المركزي والبناء الاشتراكي في روسيا 1917 والاتحاد السوفييتي فترة 1930. الآن حيث زادت درجة امتلاك العمل طابعاً اجتماعياً و درجة أتمتة الإنتاج بنحو كبير.

فكِّروا في الإمكانيات الجديدة المتاحة لنا اليوم لزيادة وقت فراغ العمال، بفضل زيادة الإنتاجية ومستوى اكتساب الإنتاج طابعاً اجتماعياً، إذا ما توقف الربح الرأسمالي عن كونه معيار القرارات في الاقتصاد[19].

فكِّروا في الإمكانيات الجديدة لرفع المستوى التعليمي العام للموظفين والمحتوى الإبداعي لعملهم، والإمكانيات المتاحة لهم يومياً  للعب دور فعال في اتخاذ القرارات والرقابة على تنفيذها. فكِّروا في تفوق الاشتراكية في صياغة الإنسان الاجتماعي، الأكثر قدرة بكثير على تسخير الإمكانات و التجاوب مع متطلبات عصر الذكاء الاصطناعي[20].

فكِّروا في الإمكانيات التكنولوجية للتخطيط المركزي العلمي لجمع ومعالجة كميات كبيرة من البيانات بسرعة لاتخاذ قرارات سريعة ومثالية بشأن مشكلات معقدة.

فكِّروا في إمكانيات البحوث متعددة التخصصات في التوقع الناجز لاحتياجات مستقبلية و في تطوير التطبيقات التكنولوجية بسرعة، بعد التحرر من القيود والعوائق التي يفرضها اليوم قانون الربح الرأسمالي و مزاحمة المجموعات اﻹقتصادية في السوق.

فكِّروا في إمكانيات تسخير الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات والروبوتات لرفع مستوى الحماية المدنية، و لمواجهة الحوادث واسعة النطاق، والخدمات الصحية.

و إمكانيات الربط والتنسيق بين وحدات الإنتاج، ما دامت myDATA الاشتراكية لن تربط شركات متزاحمة فيما بينها على الأرباح وحصص السوق وتحاول التهرب من ضرائب الدولة.

فكِّروا في إمكانيات التنبؤ التلقائي بالعطل، و بطلب قطع الغيار تلقائياً.

و في المقام اﻷول، فكروا في الإمكانيات المادية للقضاء السريع على جميع أشكال الملكية الفردية والجماعية.

إن الحزب الشيوعي اليوناني يُنير ببرنامجه الإنقلابي طريق التحول الرقمي هذا و تسخير الذكاء الاصطناعي لصالح الحاجات الشعبية. وبالطبع، فإننا لا ننتظر إشراق يوم عظيم لتنفيذ هذا البرنامج.

 إننا نصدَّر الصفوف لتنظيم الهجوم الشعبي المضاد الكبير، الذي سيفتح الطريق لإسقاط نظام الاستغلال الهمجي.

 نحن اليوم أمام معركة تقليص ساعات العمل، 35 ساعة – 5 أيام – 7 ساعات، مع زيادات كبيرة في الرواتب والمعاشات التقاعدية.

إننا في مقدمة الكفاح ضد سياسة التحرير التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي والتي تلد فقر الطاقة والفقر الرقمي. و نخوض المعركة من أجل نقل و اتصالات آمنة وسريعة ورخيصة. و نكافح من أجل إلغاء الإطار الرجعي للاتحاد الأوروبي الذي يسمح بالمراقبة الإلكترونية الوقائية لجميع المواطنين. و نخوض المعركة من أجل استخدام التكنولوجيا الجديدة لرفع مستوى الحماية المدنية.  و نخوض المعركة  نناضل من أجل خدمات صحة و تعليم مجانية حصرية.

الصديقات و الأصدقاء،

ما من أي سبب لدينا اليوم - مع وجود جميع المقدمات للعيش بشكل أفضل -  للوقوع في الفخ واختيار من سنخسر معه أقل في اليوم التالي. ليس لدينا أي سبب لاختيار الحكومة البرجوازية التي سنخسر معها مرة أخرى، لكي يكتنز  رأس المال لمرة أخرى.

باستطاعتنا بل ويجب علينا، أن ندين جميع المذنبين الذين أوصلونا إلى الوضع الحالي. باستطاعتنا ويجب علينا اتخاذ موقف كفاحي إلى جانب الحزب الشيوعي اليوناني. من أجل تعزيز الحزب الشيوعي اليوناني في كل مكان، في مواقع العمل، في الأحياء السكنية، و في المعركة الانتخابية. لكي تكون هناك معارضة شعبية أقوى داخل وخارج البرلمان، في مواجهة الصعاب وفي مواجهة الأزمة المقبلة.

باستطاعتنا بل ويجب علينا أن نناضل في عصر الذكاء الاصطناعي لنظفرَ بالحياة التي نستحقها.

نأمل لكم خير العزم أيتها الصديقات و اﻷصدقاء.

 

* تم تقديم نص المقال بإيجاز بتاريخ 19\3\2023 بعد وقوع جريمة تِِمبي، ضمن كلمة ألقاها ماكيس باباذوبولوس، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، خلال تظاهرة لمنظمة أتيكي المنطقية حول التحول الرقمي، كانت قد أُقيمت في صالة تِخنوبوليس التابعة لبلدية أثينا.

 



[1]          استُعيض عن الوزير كيرياكوس بييراكاكيس في هذه الوزارة بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2023 بذيميتريس باباستِرغيِّو.

[2]          تلى ذلك اندلاع حرائق كبيرة هذا الصيف من جزيرة رودس حتى تراقيا و فيضانات محافظة ثِساليِّا، و هي أكَّدت على واقع الفجوة المأساوية في مجال الحماية المدنية.

[3]          تقرير الاتحاد الأوروبي "الحالة الصحية في الاتحاد الأوروبي - الملف الصحي في اليونان 2021" و دراسة أجرتها منظمة " أطباء العالم" حول الرعاية الطبية في اليونان (2020).

[4]    "أقِرَّت بنحو نهائي استثمارات لمجموعة OTE بقيمة 3 مليارات يورو للشبكات السريعة". نُشر يوم 21\2\2022 على موقع www.businessdaily.gr.

[5]    "غوغل: اقتطاع حاد ﻠ 12 ألف وظيفة"، صحيفة نافتِمبوريكي، 20\1\2023

[6]    أنظر: كُتيِّب  قسم العدالة للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، بعنوان "دكتاتورية رأس المال، الوجه الحقيقي لدولة القانون الأركانية اليوم" الصادر عن دار "سينخروني إيوخي"، وشوسانا زوبوف: "عصر رأسمالية التجسس" من إصدار دار كاستانيوتيس.

[7]    للإطلاع على مزيد من المناقشة الأكاديمية العامة للموضوع، انظر على سبيل الذكر، العمل الجماعي بعنوان: أبستطاعة الخوارزمية...، منشورات جامعة كريت.

[8]          أظهرت المؤشرات الرئيسية (PMI) خلال شهر آب\ أغسطس 2023،  انخفاضاًَ إلى أدنى نقطة في آخر 33 شهراً، سواء بالنسبة لإنتاج الصناعات التحويلية أو للقطاعات الأخرى التي تصنفها الإحصاءات البرجوازية على أنها "خدمات".

[9]          "ناقوس خطر لصندوق النقد الدولي: متواصلٌ هو تباطؤ الاقتصاد العالمي"، صحيفة إيميريسيِّا، 9\12\2022.

[10]  في آب\أغسطس 2023 ، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، في حين بلغت عائدات سندات الخزانة الأميركية لعشر سنوات أعلى مستوى لها منذ عام 2007، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكاليف خدمة ديون الولايات المتحدة.

[11]  في صيف عام 2023، خفضت وكالة موديز تصنيف عشرة بنوك أمريكية متوسطة الحجم ووضعت بعض البنوك الكبيرة، مثل بنك أوف نيويورك ميلون ويو إس بانكورب، تحت المراقبة.

[12]  للاطلاع على سبيل الذكر لا الحصر: مقال بانايوتيس روميليوتيس "حرب الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين"، إيكونوميكا خرونيكا، العدد 168.

[13]  نُشر في شهر أيلول\سبتمبر أن الصين قررت إنشاء صندوق استثمار حكومي جديد (الصندوق الكبير) وتمويل الاستثمارات الجديدة لتطوير أشباه الموصلات ﺑ 41 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، عرضت الهاتف الذكي الجديد لشركة هواوي مع نظام تشغيل ومعالِجات دقيقة  عالية الأداء، و برهنت قدرتها على مجابهة حصار التكنولوجيا الغربية.

[14]  كِرياكوس بييراكيس، "نبدأ من الأساسيات، ونشارك بنشاط في التطورات"، إيكونوميكا خرونيكا، العدد 168.

[15]  على سبيل المثال،كتاب: Max Tegmark، Life 3.0  المترجم من دار ترافلوس.

[16]  انظر مقابلة البروفيسور لوتشيانو فلوريدي في عدد صحيفة "كاثيميريني"، 2\8\2020

[17]  إريك برينجولفسون وأندرو ماكافي، العصر الرائع للتكنولوجيا الجديدة، الصادر عن دار النشر "كريتيكي".

[18]  يانِّيس ستورناراس: "التطورات التكنولوجية ومستقبل العمل"، صحيفة تا نيا، 23-26\12\2021

[19]  اللجنة الأيديولوجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، الاشتراكية، الرد من أجل  القرن اﻠ21، دار "سينخروني إبوخي" للنشر.

[20]  أنظر: W. Eichorn – A. Baver، جدلية علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج، من إصدار دار"أناغنوستيذيس"، و E. Ilienkof، التكنوقراطية والمثل الإنسانية في الاشتراكية، من إصدار دار “أوذيسياس”.